وأما التسلسل الواجب فهو: ما دل عليه العقل والشرع من دوام أفعال الرب تَعَالَى في الأبد، والتى هي محل الاتفاق عند الجميع؛ إلا الجهم والعلاف، وهذان لا يؤبه لخلافهما، وهي أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يديم نعيم أهل الجنة، وكذلك -والعياذ بالله- عذاب أهل النَّار الكفار إِلَى ما لا نهاية، فكلما انقضى نعيم أحدث لهم نعيما آخر، وهكذا تتسلسل إِلَى ما لا نهاية.
وهذا تسلسل يجب أن نثبته، وبهذا يتضح أن القول بأن التسلسل ممتنع أو أنه غير جائز عَلَى الإطلاق ليس بصحيح.

ثُمَّ ذكر المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ التسلسل في أفعاله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالنسبة إِلَى الأزل، أي: في الماضي، وأنه واجب في أفعاله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وواجب في كلامه، وإلا لزمكم -والعياذ بالله- أن تفترضوا أنه كَانَ أخرساً ممنوعاً من الكلام، ثُمَّ حدث له الكلام وتكلم، ومقتضى الكلام أفعال، بل مقتضى الحياة؛ لأن كل حي فعال، حتى أدق الكائنات، فكيف بالحي القيوم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذي له مطلق الحياة وكمالها؟ إذاً فكونه حياً، وكونه متكلماً في الماضي إِلَى ما لا نهاية، يجب أن نثبته له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإن كانت آثار أفعاله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تكون مخلوقات، لكن لا ضير في أن نثبت ذلك، بل هذا كمال الحق لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.